انت الأن تتابع خبر ارتفاع حالات انتحار الأطفال في تونس والأن مع التفاصيل
رياض - احمد صلاح - أثار الارتفاع الملحوظ لحوادث الانتحار ومحاولات الانتحار بين الأطفال موجة من القلق في تونس، ولعلّ آخرها حادثة الانتحار التي حدثت مساء الأربعاء، وراح ضحيّتها تلميذ يبلغ من العمر 18 سنة، بعد انتحاره بأحد المعاهد الثانويّة بولاية القيروان، وهو أصغر إخوته سنًّا.
وبعد تلك الحادثة، وتحديدا في 24 مايو (آيار) 2023، استفاق أهالي حي سيدي منصور بسجنان من ولاية بنزرت على فاجعة انتحار الفتاة بشرى المعلاوي، المتألقة في رياضة الكمبو، والتي تستعد لإجراء اختبارات مناظرة الباكالوريا، وقتها.
واختارت بشرى إنهاء حياتها شنقا بحزامها الرياضي داخل غرفتها، واختارت نفس اليوم الذي انتحر فيه شقيقها قبل 7 سنوات (24 مايو 2016) لإنهاء حياتها فيه، ما ولّد صدمة لدى أسرتها وجيرانها.
وقالت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى إن 259 طفلا قاموا بمحاولة انتحار خلال سنة 2022 مقابل 194 طفلا سنة 2021 أي بزيادة بنسبة 33 في المئة. وأبرزت، خلال لقاء بمناسبة اختتام شهر حماية الطفولة خصص لعرض البيانات الإحصائية لنشاط مكاتب مندوبي حماية الطفولة لسنة 2022، أن 80 في المئة من محاولات الانتحار تم تسجيلها لدى الفتيات.
وزارة الأسرة ستشرع في إنجاز دراسة للوقوف على خصائص محاولات الانتحار في صفوف الأطفال بهدف فهم أسباب الظاهرة
وشددت بالحاج موسى على أن الوزارة ستشرع في إنجاز دراسة للوقوف على خصائص محاولات الانتحار في صفوف الأطفال بهدف فهم أسباب هذه الظاهرة بشكل علمي وموضوعي.
وأكدت الوزيرة أن العدد الجملي للإشعارات حول الأطفال الذين تعرضوا للعنف قد بلغ 8135 سنة 2022 مقابل 7100 إشعار سنة 2021، في حين سجل العنف الجسدي الموجه ضد الفتيان نسبة 29 في المئة من مجموع حالات العنف مقابل 20 في المئة لدى الفتيات، مفسّرة أن نسب العنف المعنوي الموجه للفتيان والفتيات تتقارب أين تعرضت 12 في المئة من الفتيات إلى العنف الجنسي مقابل 6 في المئة لدى الفتيان.
وأشارت إلى أن مندوبي حماية الطفولة قد تعهدوا بـ109 طفلا يتعاطون المخدرات كما تلقوا مطلب وساطة خلال سنة 2022 تتوزع بين 94 في المئة من الفتيان مقابل 6 في المئة من الفتيات موضحة أن أغلب مطالب الوساطة تشمل السرقة والاعتداء بالعنف والإضرار بأملاك الغير.
وبينت من جهة أخرى حرص الوزارة على تعزيز الموارد البشرية لسلك مندوبي حماية الطفولة أمام حجم العدد المتزايد للإشعارات والوضعيات المتعهد بها من مندوبي حماية الطفولة من خلال فتح مناظرات الانتداب.
الضغط الاجتماعي على الفتيات أكثر من الذكور رغم أن تونس تسعى لدعم مبادئ تكافؤ الفرص بين الجنسين
وكانت الوزيرة قد أكدت في تصريحات سابقة أن حالات انتحار ومحاولات انتحار الأطفال في تونس في تنامٍ، حيث تمّ خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية تسجيل 8 حالات انتحار في صفوف الأطفال بمعدل حالتين شهريًا و102 محاولة انتحار بمعدل 26 محاولة شهريًّا خلال الفترة نفسها.
وأضافت الوزيرة، وفق بلاغ نشرته الوزارة، عقب انتحار تلميذ القيروان، أنّ 80 في المئة من محاولات الانتحار هي في صفوف الإناث، معلنة الشروع في إنجاز دراسة علميّة معمّقة لهذه الظاهرة وفهم أسبابها “قصد الاستناد إليها لتحديد السياسات وتصويب التدخلات الوقائيّة في هذا المجال”.
وقال رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل معز الشريف إن حالة من الإحباط تتنامى في أوساط الأطفال، منذ سنين، نتيجة تخلي المجتمع عنهم، في غمرة الأزمات المتعددة التي تعيشها تونس منذ أكثر من عقد.
وشدد الشريف على أنه “ليست هناك إحصائيات دقيقة حول عدد المنتحرين، بين الأطفال (..) لكن هناك مؤشرات على أعداد الذين حاولوا الانتحار فقط”.
وأرجع الرجل غياب أرقام دقيقة إلى غياب أو “عدم العمل بشكل صحيح” لآليات وضعتها الدولة لرصد وإحصاء المحاولات الانتحارية والعنف في المحيط الذي ينمو فيه الطفل، بداية من الأسرة إلى المدرسة فالمجتمع بشكل عام.
حالات الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين تتزايد في المناطق الفقيرة غير المعنية بالتنمية
وبخصوص ارتفاع نسبة محاولات الانتحار بين الإناث قال الشريف إن ذلك راجع لضغط الأعراف على المجتمع التونسي “بالرغم من أن البلاد معروفة بأنها تسير نحو الديمقراطية والمساواة” وفق تعبيره.
ويضيف الشريف “تونس كباقي المجتمعات العربية تحكمها أعراف وتقاليد قوية، وهي التي تتحكم في سلوكيات الأفراد وليس القوانين”.
كما أشار هذا المختص إلى أن الضغط الاجتماعي على الفتيات أكثر من الذكور “رغم أن تونس تسعى لدعم مبادئ تكافؤ الفرص بين الجنسين”.
ولفت الرجل إلى أنه، ورغم أن نسبة النجاح المدرسي عند الفتيات أكبر بنحو 70 في المئة عن الذكور، إلا أنهن يخضعن للتمييز في المجتمع، وهو ما زاد من عزلتهن ورفع فرص الانحراف عند بعضهن.
وكشف أن الإقبال على التدخين عند الفتيات أصبح أكبر منه عند الذكور واصفا ذلك بالمؤشر على درجة القلق الذي تعيشه الفتيات في تونس منذ صغر سنهن.
وذكر أنه في عام 2013 كان عدد الفتيات اللاتي يدخنّ يكاد يكون منعدما في الإحصائيات التي تطرقت للظاهرة في تونس، لكن عددهن ارتفع في إحصائيات حديثة ليصل إلى 13 في المئة.هناك العديد من العوامل التي يجب الاشتغال عليها للحد من ظاهرة انتحار الأطفال وأبرزها دور الأسرة والوالدين في الحدّ من جنوح الأبناء
وقال الشريف “هذا مؤشر للتغير في السلوك الاجتماعي عند الفتيات، دون أن يرافقه تغير من الجانب المجتمعي، سواء على مستوى الاتصال أو التكفل”.
بالعودة إلى ارتفاع ظاهرة محاولة الانتحار بين الأطفال عموما، شدد الشريف على أنه راجع إلى العنف المسلط عليهم في المجتمع ككل، ولا سيما الفضاءات الثلاث: الأسرة، المدرسة، والشارع.
وأضاف أنه “رغم غياب الإحصائيات الرسمية أستطيع أن أقول إن عدد محاولات الانتحار تضاعف خلال العشرية الأخيرة”. وأرجع ذلك إلى ما وصفه بتعطّل آليات الحوار على مستوى كل الفاعلين في ما يخص الطفولة، وذلك في ضوء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ضاعفتها أزمة وباء كورونا الأخيرة.
وأوضح الشريف أيضا أن الأسرة التونسية التي أصبحت في مواجهة تلك الأزمات “ضاق صدرها ولم تعد مستعدة لسماع أطفالها، ومن ثم أغلقت في وجوههم كل قنوات الحوار”.
وتابع “كذلك الشأن في المؤسسات التربوية وكل المجتمع” وأضاف أن أي طفل يريد إبداء رأيه، يُعامل وكأنه معتد على الأصول والقواعد، وهو ما زاد من عزلة الكثيرين منهم.
ويؤكد خبراء علم النفس والاجتماع أن هناك العديد من العوامل التي يجب الاشتغال عليها للحد من ظاهرة انتحار الأطفال وأبرزها دور الأسرة والوالدين في الحدّ من جنوح الأبناء ومراقبة تصرّفاتهم وتأمين تنشئة اجتماعية سليمة لهم، لافتين إلى دور المؤسّسات الإعلامية في انتقاء مادّة تخلو من مظاهر العنف. ويشير الخبراء إلى أن ظاهرة انتحار الأطفال تعكس أزمة اجتماعية واقتصادية داخل الأسر.
وقال أحمد الأبيض الدكتور المختص في علم النفس إنه بناء على الإحصائيات الصادرة عن وزارات الإشراف يتبين أن حالات الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين تتزايد في المناطق الفقيرة غير المعنية بالتنمية مثل منطقة العلا من محافظة القيروان (وسط)، وهو ما يبرز أن هناك أرضية اقتصادية واجتماعية وراء هذه الحوادث، مشيرا إلى أن الأسر الفقيرة تنقل مناخ البؤس إلى أطفالها الذين هم عادة لا يعبؤون بمشاكل الكبار، لكن مع تكرر الأزمات ونشوب الخصومات بين الأولياء بسبب عدم قدرتهم على توفير مستلزمات أطفالهم، مثلا، يتم الزج بهم داخل المشاكل ما يدفع بهؤلاء إلى التخلي عن طفولتهم تدريجيا، والانصهار في المشاكل وتفضيل الانسحاب بمغادرة الحياة مرة واحدة .
0 تعليق